في حديث حصري أجراه كريستيان الخوري Christian El-Khouri رئيس تحرير Health Tourism News مع علي شنيمر، الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال في بوبا العربية توقع الحصول على رؤىً ثاقبة حول قطاع التأمين الصحي في المملكة السعودية ولكن ما حدث أن الحوار قد تجاوز المعتاد حول تلبية احتياجات حاملي وثائق التأمين وما يتبعها من تعقيدات ووصل لفهمٌ واضحٌ للتحديات التي تواجهها دول العالم في مجال الرعاية الصحية، ورأى استعدادٌ للتغيير كما لمس رؤيةٌ واضحة لكيفية علاج المرضى في المستقبل، وفهمٌ لدور المؤسسة في ذلك، فالرئيس التنفيدي لبوبا العربية لا يدير الأعمال فحسب، بل يعمل هو وزملاؤه بنشاطٍ على رسم خريطةٍ لتجربةٍ جديدةٍ للمرضى.

يقول كريستيان الخوري سنحت لنا الفرصة أن نتحدث مع علي شنيمر Ali M. Sheneamer ، الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال في بوبا العربية Bupa Arabia ، على هامش معرض الصحة العالمي 2025 الذي اقيم في الرياض مؤخراً، ولكنه أدرك سريعاً أن النقاش تجاوز حدود الحديث التقليدي عن التأمين. فبينما تُعرف “بوبا” عالمياً بانتشارها الواسع (حيث تعمل في أكثر من 190 دولة وتمتلك 20 مستشفى و400 عيادة)، اكتشف عملها باستراتيجية مركزة وعميقة ومدمجة رأسياً داخل المملكة العربية السعودية، استراتيجية يمكن أن تكون بمثابة نموذج قوي لمستقبل الصحة في المنطقة وخارجها.
إن تداعيات هذه الاستراتيجية على المشهد الصحي في المملكة عميقة جداً. ورغم أن شنيمر أكد صراحة أن تركيزه ينصب على عملائهم الحاليين، فإن الآلية الأساسية التي يتم بناؤها تحمل، بطريقة غير مباشرة، صدى لا يمكن تجاهله للسياحة الصحية والعلاجية.
تتمثل الرسالة الأساسية لشنيمر في تحول جذري عن الدور التقليدي لشركات التأمين، فـ “بوبا العربية”، من خلال ذراعها لتقديم خدمات الرعاية الصحية، بوبا كير كونكت (Bupa Care Connect)، تتجه بقوة نحو إدارة صحة الأفراد، بدلاً من مجرد دفع تكاليف المرض.
القوة الدافعة وراء هذا التحول هي الاستدامة الاقتصادية والضرورة السريرية. فكما كشف شنيمر، الأمراض المزمنة – رغم أنها تمثل نسبة صغيرة من السكان – “تستهلك أكثر من 52% من تكاليف الرعاية الصحية”. وهنا يتركز جوهر استراتيجيتهم. ومن الجدير بالذكر أن هذه الظاهرة لا تقتصر على المملكة، بل هي تحدٍ نشهده في معظم الأسواق الكبرى.
يبدأ نموذجهم بنهج يعتمد على الأولوية للخدمات الرقمية (Digital-first approach). ووصف شنيمر المرحلة الأولية من “كير كونكت” قائلاً:
“نبدأ بالرعاية الرقمية من خلال الاستشارات عن بُعد وجميع الخدمات المحيطة بها، مثل توصيل الأدوية، والفحوصات المخبرية في المنزل، واللقاحات في المنزل… الفكرة هي بناء محفظة من العملاء من خلال الرعاية الرقمية، ثم إدارتهم عبر العيادات التقليدية عندما يحتاجون إليها.”

والأهم من ذلك، وأشار إلى هدفهم الأسمى: “في أفضل الأحوال، لا نريدهم أن يذهبوا إلى العيادات التقليدية إذا قمنا بإدارتهم عن بُعد بالشكل الصحيح”. يؤكد هذا التصريح التزام السعودية بحل مشكلة الوصول والاكتظاظ عبر الابتكار، وليس فقط عبر إضافة الأسرّة. في تجربتي، يُقضى جزء كبير من عمل المتخصصين في الرعاية الصحية في محاربة نتائج غياب الإدارة الصحية الاستباقية في المقام الأول. وبالتالي، فإن تحويل الأولويات وإلغاء الحاجة للزيارة الجسدية له معنى كبير.
تنسيق الشبكة المفتوحة
أوضح شنيمر أن “بوبا العربية” لا تسعى لتصبح مزوداً بنظام مغلق بالكامل على غرار نموذج كايزر بيرماننتي (Kaiser Permanente). بدلاً من ذلك، هم يبنون “شبكة مفتوحة يتم تنسيقها من خلال بوبا كير كونكت”.
ويركز هذا الاختيار الاستراتيجي استثمارات “بوبا” المباشرة حيث تشتد الحاجة: في رحلة المريض والرعاية الخارجية (Outpatient Care)، والتي أشار شنيمر إلى أنها تمثل نسبة ضخمة تبلغ “97% من الحالات”.
أما بالنسبة للنسبة المتبقية 3% – العمليات الجراحية المعقدة وحالات الإدخال – تستخدم “بوبا” خبرتها لتوجيه المرضى، قائلاً “لدي شركاء أيضاً لتحويلهم إليهم – من هو الأفضل في جراحات القلب والأوعية الدموية، ومن هو الأفضل في جراحات الدماغ، وجراحة العظام، إلى آخره. هذه المراكز المتميزة ستقدم الخدمة الصحيحة لمرضانا.”
إن نموذج التنسيق هذا – الإدارة الرقمية المباشرة للغالبية العظمى، والإحالات المنسقة بخبرة للحالات المعقدة – هو الملكية الفكرية التي تعيد تعريف المشهد الصحي السعودي حقاً. وما يثير إعجابي ليس حداثة المفهوم، بل هو الطموح الذي يسعى إليه العديد من أسواق الرعاية الصحية. ما أدهشني بعمق هو الحسم والتوجه نحو تحقيق الهدف الذي يتبعه شنيمر وزملاؤه في تطبيق هذه الاستراتيجية.
استنتاجات حول السياحة الصحية والعلاجية
عند مناقشة السياحة العلاجية، كان شنيمر واضحاً وصريحاً: “ينصب تركيزي على إدارة صحة عملائي… أنا لست في مجال كوني مزود رعاية صحية مستقلاً”.
إذا كانت سنوات عملي في صناعة السياحة العلاجية قد علمتني شيئاً واحداً، فهو: أن يصبح بلد ما وجهة للسياحة العلاجية دون ترتيب أوضاعه الداخلية هو جهد ضائع. ويبدو لي أن الأولويات السعودية مُحددة بشكل صحيح.
وبينما يتنصل شنيمر من دور مزود السياحة العلاجية المستقل، فإن تصريحاته تقدم ثلاث استنتاجات لا يمكن إنكارها للصناعة الإقليمية:
1. القاعدة المحلية هي شرط أساسي حيث يجب أن يعتمد مسار المملكة نحو أن تصبح وجهة للسياحة العلاجية أولاً على حل تحدياتها المحلية. من خلال معالجة مشكلة الـ 52% من تكاليف الأمراض المزمنة ونشر “العيادة في جيبك” لإدارة 97% من حالات المرضى، تعمل “بوبا العربية” بشكل أساسي على إنشاء البنية التحتية الصحية الرقمية عالمية المستوى التي تجعل العرض المستقبلي للسياحة العلاجية قابلاً للتطبيق. لا يمكنك جذب مرضى دوليين بدون نظام محلي متقدم رقمياً وفعال ومراقب الجودة.
2. استمرارية الرعاية هي عامل التمييز الجديد بالنسبة للسائح العلاجي، فإن أكبر نقطة ضعف هي الرعاية المجزأة قبل الوصول وبعد العودة. يحل نموذج “بوبا” المتكامل هذه المشكلة. إن قدرتهم على إدارة صحة المريض عن بُعد، وصرف الأدوية، وتسهيل الفحوصات المخبرية في المنزل تعني أن لديهم الهيكل الرقمي اللازم لإدارة المريض الدولي قبل صعوده إلى الطائرة وبعد عودته إلى وطنه. هذا هو تعريف “السياحة الصحية” – إدارة الرحلة، وليس مجرد الإجراء الطبي.
3. ثقة عالمية، تنفيذ محلي وقد سلط شنيمر الضوء على قدرتهم على إرسال المرضى السعوديين لتلقي العلاج في الخارج، مما يرسخ وضعهم كـ “شركة محلية وعالمية في نفس الوقت”. هذه الهوية المزدوجة – شركة سعودية مدرجة مدعومة بكيان عالمي يعمل في أكثر من 190 دولة – هي ختم ضمان للمرضى الدوليين. عندما توجه شبكة “بوبا” المنسقة مريضاً إلى “مركز تميّز” محلي، فإن الأسواق الدولية ستثق بهذا التقدير.
تؤكد الطاقة في معرض الصحة العالمي 2025، التي أشار شنيمر إلى أنها كانت فرصة حاسمة لـ “تكوين شراكات مع العديد من الشركاء ضمن المنظومة الصحية”، أن المملكة العربية السعودية لا تنظر إلى التكامل الرقمي كخيار، بل كأساس لطموحات رؤية 2030. “بوبا العربية” ليست مجرد مراقب لهذا التحول؛ بل هي أحد المهندسين الاستراتيجيين الذين يبنون واقعاً جديداً ومندمجاً رقمياً سيجذب الاهتمام العالمي حتماً.
يمكن قراءة المقال من الرابط Read the full article here:https://lnkd.in/eMbnysyd